القـواعــد السديدة
في
حماية العقيدة
الدكتور: طه حامد الدليمي
-5-
طريقة القرآن
في إثبات أصول الشريعة
فاذا آمن المرء بالله وبرسوله وباليوم الآخر فعليه بعد ذلك أن يعمل بمقتضى هذا الإيمان .
وهنا يأتي دور الشريعة .
فالدين عقيدة وشريعة : العقيدة هي الأصل ، والشريعة فرع عنها. تلك الأساس ، وهذه البناء .
ويتبين من خلال استقراء القرآن أن أصول الشريعة تثبت بأمرين هما :
1- الإخبار .
2- والقطع
أي الخبر القرآني القطعي الدلالة . ولا حاجة هنا إلى الدليل العقلي للبرهنة على صحتها ، لأنها إنما يخاطب بها المسلم المؤمن بصحة ما نزل من القرآن ، فهو لا يحتاج للعمل بها إلى غير علمه بأنها مما أنزل، وأن الله كلفه بها . فلا يحتاج المسلم الى أدلة إثباتية على أن الصلاة من الدين أو الزكاة أو الصيام ؛ ولذلك لا يخاطب الكافر بها . إنما يحتاج إلى دليل قطعي على أن الله خاطبه أو كلفه بها .
والشريعة أصول وفروع لهذه الأصول .
فأصول الشريعة - كالصلاة والزكاة وبر الوالدين - لا بد لإثباتها من الدليل الخبري القطعي . أما تفاصيلها وفروعها فيكفي فيها الدليل الظني الراجح.
والدليل القطعي إنما هو قطعي لوضوحه وعدم احتماله لغير ظاهر معناه .
ولا بأس من التأكيد على أنه لا بد أن يكون الدليل قرآنياً ، فلا تستقل الروايات ولا الآراء التي يسمونها (عقليات) بإيجاد شيء جديد في الأصول دون ان يثبت ذلك بالقرآن أولاً .
وهذا الشرط يشمل أصول العقيدة والشريعة.
خلاصة القانون
فتكون لأصول العقيدة خمسة شروط هي :
1- النص القرآني
2- القطعي الدلالة
3- الكثير التكرار
4- إخباراً
5- وإثباتاً
ولأصول الشريعة ثلاثة شروط هي :
1- النص القرآني
2- القطعي الدلالة
3- إخباراً فقط
هذا هو القانون أو المنهج القرآني في إثبات الأصول .
و(الإمامة) – عند بعض الناس– من المسائل التي لا يصح الإيمان إلا بها بحيث يعد منكرها عندهم من الكافرين ! فهي إذن من المسائل الاعتقادية الأصولية أو الأساسية طبقاً لمنهج القرآن . فلا بد أن تثبت عند من يراد له أن يؤمن بها – على أقل تقدير – بالنص القرآني القطعي الدلالة .
فهل لذلك النص في القرآن من وجود ؟!
كل الذي يحتجون به آيات متشابهة ظنية الدلالة،
كهذه الآيات :
(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة:124) .
(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة:55) .
(حرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّفِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة:3).
(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب:33).
وهذا أقوى ما استدلوا به من آي الذكر الحكيم ، وقد كتبت الآيات بتمامها لعل عاقلاً يتأكد بنفسه أنه لا علاقة بين ما ذهبوا إليه من معنى للآية والمعنى الحقيقي الذي ترمي إليه ، والذي يتبين أكثر عندما تقرأ الآية كاملة ، لا مقطعة كما هو عادة بعض الناس عند احتجاجهم بآيات الكتاب .
ما علاقة هذه الآيات بـ(الإمامة) التي يتحدث عنهابعض الناس أولاً ؟
ثم ما علاقتها بـ(إمامة) علي t ثانياً ؟
وما علاقتها بـ(الأئمة) الآخرين الذين يلتزم بعض الناس ويلزمون غيرهم بالإيمان بهم ثالثاً ؟ بشرط أن تكون هذه العلاقة قطعية لا احتمال فيها لأن الدليل الأصولي إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال كما قال تعالى: (وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (النجم:28) .
إن دلالة هذه الآيات وسواها مما احتجوا به ليست قطعية، بل ولا تدخل في باب الظن الراجح الذي يقبل في فروع الشريعة أو الفقه !! وإنما هي وهمٌ ، أحسن أحواله ان يكون ظنا مرجوحاً :
فالآية الأولى تتحدث عن إمامة سيدنا إبراهيم u ولا ذكر فيها لعلي ولا غيره قط . ولا دليل فيها صريحاً على أن الإمامة المذكورة فيها هي الإمامة التي اصطلح عليها بعض الناس، إنما هي الإمامة بمعنى القدوة . غاية ما يمكن قوله جدلاً أن ما يدعونه أمر ظني ! والظن لا تثبت به العقائد الكبرى .
والآية الثانية تتحدث عن الميتة والدم ولحم الخنزير . فما الذي حشر (إمامة) علي - كرمه الله - بين هذه الأمور ولا رابط يجمع بينهما ؟! ثم إنه لا ذكر لهذا الموضوع في الآية البتة .
أما الآية الثالثة - فبالإضافة إلى أنه لا ذكر فيها لعلي ولا غيره ولا لـ(الإمامة) ولا لـ(العصمة) وهذا يكفي في إبطال الاحتجاج بها على ذلك - نجدها في سياق يتحدث عن أمهات المؤمنين . بل إن أول الآية خطاب صريح موجه إليهن . فما الأمر الذي يحملنا جزماً على أن نخرجهن من حكم الآية ونقصرها على علي وبعض أهل بيته فقط ؟! وحين نتبين الأمر لا نجد دليلاً من الآية على هذا سوى التحكم بلا حاكم والادعاء بلا داعٍ ! وأعلى ما يمكن قبوله هنا أن يقال: إن ذلك ظن ، (وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) .
فلم تنطبق على هذا (الأصل) شروط إثبات أصول الشريعة التي هي فروع بالنسبة لأصل العقيدة. بل ولا فروع الشريعة : اذ أن هناك أموراً فرعية في الدين كالحيض والجماع والنكاح والطلاق والبيع والشراء … الخ تناولها القرآن بآيات واضحة : إما قطعية الدلالة ، وإما تفيد المسلم ظنا راجحاً يكفي للعمل بأمثالها من الفرعيات !!
فكيف يؤسس مثل هذا الامر العظيم الذي يكفر جاحده على نصوص دلالتها في أحسن أحوالها ظنية مرجوحة ؟!
إن الظن المرجوح لا يجوز العمل به في الفرعيات الفقهية فكيف يدخل في باب الأصول الاعتقادية ؟!!
اما اذا أردنا ان نطبق المواصفات أو الشروط التي تخص أصول الاعتقاد والمستفادة من استقراء القرآن وهي : النص القرآني القطعي الذي يكثر ويتنوع وهو يتناول الموضوع بطريقتين : الإخبار ثم الإثبات العقلي ، فسيظهر جزماً ان خير باب يدخل تحته هذا الامر هو باب الخرافات .
فأين الأدلة المتكررة؟!
وأين الأخبار القطعية ؟!
وأين أدلة الإثبات ؟
إن كان النص خبرا فأين إثباته ؟!
وإن كان إثباتاً فأين الخبر الذي جاء يثبته ؟!
وللبحث بقية